حلم و تأويل رؤيا التعبير والمعبرون

حلم و تأويل رؤيا التعبير والمعبرون

التعبير والمعبرون

تطلق كلمه (تعبير) على تفسير الرؤيا خاصة .
‏والتعبير هو: العبور من ظاهر الرؤيا إلى باطنها. وهذا رأي الراغب. وقيل: النظر في الشيء فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه
‏وهذا حكاه الأزهري.

‏وأصل التعبير مشتق من: العبر, وهو التجاوز من حال إلى حال , وفرق علماء اللغة بين تجاوز الماء وغير الماء، فقالوا: تجاوز الماء بسباحة أو سفينة أو غيرها يطلق عليه: العبور.
‏وقالوا: الاعتبار والعبرة هي الحاله التي يتوصل بها من معرفة المشاهد
‏إلى ما ليس بمشاهد.

‏يقال: عبرت بالتخفيف أي فسرت الرؤيا.
و: عبرت بالتشديد للمبالغة فى ذلك.

‏وفي التنزيل: ” ان كنتم للرءيا تعبرون “(1) أي تصلون إلى نهايتها وتذكرون مالها.

‏والمعبر: اسم فاعل من الفعل عبر , ‏يقال: عبر الرؤيا عبرا وعبارة أي فسرها.
‏وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أبرز الصحابة شهره بتأويل

الرؤى وتعبيرها وكيف لا وأستاذه هو رسول الله معلم الأمة جميعها, قد وصفه أحد الصحابة كما في”الفتح”(2): “وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله صلي الله علية وسلم ” ‏. كما أن من الذين اشتهروا بتعبير الرؤى الامام ابو بكر محمد بن سيرين الأنصاري بالولاء البصري المولود سنة 33 ‏ة والمتوفى سنة 110 ة وينسب له كتاب (تعبير الرؤيا) وهو مطبوع وذكره ابن النديم في الفهرست, وهو غير الكتاب المتداول بين الناس له باسم: (منتخب الكلام في تفسير الأحلام) , وانظر الأعلام للزر كلي ( 257 ‏) تجد ترجمة وافية وعملا جبارا للزركلي وانتهى فيه الى عدم صحة نسبة الكتابين لابن سيرين.
‏وهناك عالم اخر هو: عبدالغني بن اسماعيل النابلسي وهو من المتصوفة , وله العديد من المؤلفات ومنها: (تعطير الأنام في تعبير المنام ) ويحتوي على أمور وتصورات وأسماء وذوات قد لا تحدث الا نادرأ كما قد يستحيل رؤية البعض الاخره وهذا وان كان من المتصوفة غير أنه والحق يقال قد أوفى وزاد في هذا المجال , وقد أثنى على عمله الكثير من الأدباء كالأستاذ محمد قطب , ثم أقول: انني في هذا الجزء سأتحدث عن مناهج المعبرين والأمور اللازمة التي يجب توفرها في المعبر , وقبل هذا ألفت الى وجود الكثير من المعبرين حديثأ وقديمأ , ولست هذا أبحث في أسمائهم وانما سأتحدث عن المنهج الذي عليه كثير منهم من خلال متابعتي لهذا الموضوع. . فأقول: معبرو الرؤى حديثأ ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
‏1 – القسم الأول: وأصحاب هذا القسم لا يعبر الأ قليلا ويتحرج من التعبير ويغلق باب تعلم التعبير, وان قيل له سؤال عن التعبير وكيفيته
أجاب: بأنه فراسة تولد مع المرء ويمنع من تعلمه , ووجهة النظر هذه سمعناها قديما من بعض مشائخنا الأفاضل رحم الله من مات منهم , وبارك
‏لنا في عمر الموجودين.
‏ب – القسم الثاني: وهولاء عكس القسم الأول , يتوسعون في التعبير, ويكثرون من السؤال عن الرؤي في كل مجلس , بالمشافهة والنقل وحتى

بالكتابة لصاحبها أو لغيره , وبعض هولاء تجده يخبرك بالتأويل وكيفية التأويل للرؤيا المسؤول عنها.
‏ج – القسم الثالث : قسم بين هولاء وهولاء يعبر ولكن بالمشافهة فقط , ويشترط كون صاحب الرؤيا هو السائل ويمنع النقل الا في أضيق الحدود , وهولاء , يحتاطون كتيرا عن التعبير: ويخبرونك عن كيفية التأويل أحيانأ.
‏ولعل التساهل في تعبير الرؤى , وفتح الباب في كل مجلس ومحاضرة شيء حادث في هذه الأيام , وأنا هنا لست ضد تعبير الرؤى كعلم , ولكن ضد التساهل في التعبير الرؤي , وفتح الباب في كل مجل ومحاضرة شئ حادث في هذة الأيام وأنا هنا لست ضد تعبير الرؤي كعلم ولكن ضد التساهل في التعبير وعدم التحري وعدم السؤال عن حال الرائي والسؤال عن الرؤيا وألفاظها ووقتها فهذه أشياء مطلوبة للمعبر للتمكن من التعبير الأمثل ,
ولذا تجد من المعبرين الذين يتساهلون في سماع الرؤى ينص على أن درجة الصحة في تعبيره بالقراءة عليه لا تتجاوز الخمسين في المائة !!
‏ولا أقول ان المتساهلين هم الملامون فقط , بل أن أصحاب القسم الأول كذلك مخطئون – في رايي المتواضع – فتعبير الرؤى ليس فراسة فحسب , بل فراسة وتعلم وممارسة ومهارة تكتسب وتنمي وتتقن , فهي تختلف من شخص الى اخر; نعم هي فراسة عند يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام كما قال تعالى “وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم” (يوسف: 6 ‏).
‏قال ابن عباس في تفسيره: ( ويعلمك من تأويل ألأحاديث )
أي من تعبير الرؤيا , ويعلمك كذلك معرفة ما يؤول اليه أحاديث الناس (3)).
‏نعم هي فراسة عند يعقوب , وعند ابراهيم الخليل ودانيال ومحمد عليهم الصلاة والسلام هذا من الأنبياء , وكذلك من الصحابة عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك

وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وعائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين , وغيرهم.
‏ولكن عند غيرهم لا. . . , ليس كلها فراسة بل فيها فراسة والهام , واستنباط من القران والسنة واللغة والأمثال,وغيرها مما هو معلوم لكل مهتم بهذا الفن.
‏ جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله علية وسلم يقول: “لم يبق من النبوة الأ المبشرات” ، قالوا: وما المبشرات ؟ قال:”الرؤيا الصالحة “(4) وهذا لفظ البخاري.
‏وجاء في المسند للامام أحمد قال صلي الله علية وسلم : “الرؤيا الصالحة يرأها المسلم او ترى له”(5).
‏والمعنى: أن الوحي ينقطع بموته صلي الله علية وسلم ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلأ الرؤيا يرأها المؤمن ,وكذا الالهام فان فيه اخبارأ بما سيكون ويقع لغير الأنبياء كما أخبر النبي صلي الله علية وسلم عن عمر في قوله قد كان في الأمم قبلكم محدثون – أي ملهمون وقيل: مصيبون وقال البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم . فإن يكن في امتي منهم احد فإن عمر بن الخطاب منهم ” متفق عليه (6).
‏وقد أخبر كثير من الأولياء عن أموو مغيبة , فكانت كما اخبروا وهذا من الالهام , وقد نتساءل ما الإلهام ولماذا قل اليوم؟ فأقول: قال الامام ابن حجر في الفتح: وكان السر في ندور الإلهام في زمنه صلي الله علية وسلم وكثرته من بعده , غلبة الوحي اليه صلي الله علية وسلم من في اليقظة وارادة إظهار المعجزات منه , فكان من

المناسب أن لا يقع لغيره منه في زمانه شيء, فلما انقطع الوحي بموته وقع الالهام لمن اختص الله به للأمن من اللبس في ذلك. . وفي انكار وقوع ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره. وقد فصل ابن حجر في الفتح الفرق بين الالهام والرؤيا وذكر أن الالهام هو: ما حرك القلب لعلم يدعر الى العمل به من غير استدلال وحكاه عن أبي زيد الدبوسي من أئمة الحنفية , قال والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العمل به الا عند فقد
‏الحجج كلها في باب المباح , وذكر كلامأ اخر نفيسا.
‏وقد كان الرسول صلي الله علية وسلم أحيانأ يقص الرؤيا على الصحابة فيعبرها أحدهم فيقره على تعبيره , وهذا من باب التعليم منه صلي الله علية وسلم ومما يروى في هذا ما جاء عن ابن شهاب قال: راى النبي صلي الله علية وسلم رؤيا فقصها على أبي بكر فقال: ” يا أبا بكر , رايت كأني استبقت انا وانت درجة فسبقتك بمرقأتين ونصف ” والمرقاه : الدرجة.
‏فقال أبو بكر: يا رسول الله , يقبضك الله الى رحمته ومغفرته وأعيش بعدك سنتين ونصفأ. وهذا الحديث ذكره السيوطي في الخصائص الكبرى وعزاه لابن سعد لكنه مرسل (7). وهذه فراسة من أبي بكر.
‏قال ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين) (8):
“ان الفراسة كانت وستظل منزلة من منازل:” إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ” (9) وما ذاك الا لأنها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والحالي والعاطل والصادق والكاذب.
‏وقوله الحالي والعاطل: الحالي هو من تزين وتحلى، والعاطل ضدة ,

يقال : عطلت المرأة أي خلت من الحلي فهي عاطل , والمراد أنة يفرق بين الشئ وضدة
‏وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان , فمن كان أقوى إيمانأ فهو أحد فراسة.
‏وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : أفرس الناس ثلاثة : العزيز في يوسف ‏حيث قال لامرأته: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) (يوسف: 21 ‏).
‏وابنة شعيب حين قالت : “استئجره” (القصص: 36).
‏وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حين استخلفة.
‏وقد كان كثير من الصحابة رضي الله عنهم يتحلون بها , وكان الصديق رضي الله عنه في مقدمتهم فهو أعظم الأمة فراسة وبعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فإنه ما قال لشيء: أظنه كذا إلا كان كما قال ,
‏ويكفي في فراسته موافقته ربه في المواضع المعروفة – والتي ليست مجال حديثنا(10) , وكما قلت أيضا: فراسة الصحابة أصدق الفراسة , وأصل هذا
‏النوع من الفراسة من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده , فيحيا القلب بذلك ويستنير فلا تكاد فراستة تخطئ , وهذا مصداق قوله تعالى :” أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” (الانعام: 122 ‏).

واذا كان تعبير الرؤى بالفراسة يوجد بكثرة عند السلف الصالح فلا يعني أنه يمتنع عند غيرهم , لكن الفرق عندي من حيث القلة والكثرة فحسب , فقد يوجد في هذا العصر من يهبه الله الفراسة , وقد جاه في الحديث : ” ‏اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله”(11).
‏وجاء في الحديث القدسي الذي رواه البخاري من طريق أبي هريرة قال أبو هريرة قال: قال رسول الله صلي الله علية وسلم : ان الله قال : من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب , وما تقرب الى عبدي بشيء أحب الي مما افترضته عليه , وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها , ورجله التي يمشي بها , وان سألني لأعطينه , ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وانا أكره مساءته “(12) , والمراد أنه يجعله ينتفع بما يسمع من العلم والحكمة والمواعظ الحسنة والتجارب النافعة ويجعله كذلك يرى بنور الله ما في السموات والأرض من ايات فيزداد إيمانه ويقينه.
‏قال العلأمة المناري في كتابه تعليقا على الحديث الذي سبق: “اتقوا فراسه المؤمن”.
‏الفراسة: هي الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله , والوانه واقواله, على أخلاقه وفضائله, ورذائله , وقد تبه الله على صدقها بقوله :” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ” (الحجر: 75 ‏) , وقوله: “تعرفهم بسيمهم (البقرة: 277 ‏), وهي في اللغة مشتق من قولهم فرس السبع الشاة, وأطلق على السبع لانه يفترس المسافات جريأ , فكانت الفراسة اختلاس العارف النظر في الشخص مثلا والتعرف على حاله , وهي نوعان:

الأول: نوع يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه ء وهو ضرب من الإلهام وهو الذي يسمى صاحبه المحدث كما في خبر: ” ان يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر”(13) وقد يكون هذا الإلهام حال اليقظة أو المنام , هذا هو النوع الأول , وحقيقتها أنها: خاطر يهجم على القلب يثب عليه كوثوب الأسد على فريسته، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانأ فهو أحد فراسة.
‏والثاني: يكون بصناعة متعلمه , وهي معرفة ما في الألوان والأشكال وما بين الأمزجة والأخلاق , والأفعال الطبيعية , ومن عرف ذلك وكان ذا فهم ثابت ,قوي على الفراسه(14) .

.
.
‏والخلاصة التي أتوصل إليها بعد كل هذا الحديث. . . يوجد من يعبر الرؤيا فراسة ، ويوجد من يعبرها إلهامأ، ويوجد من يعبرها صناعة وتعلما، ولكن يجب التنبيه هنا إلى أن الأفضل ألأ يقول الإنسان عن نفسه أن تعبيره من باب الفراسة أو الإلهام لأن هذا من تزكية النفس والله سبحانه وتعالى يقول:” فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بكم اتقي ” (النجم: 32 ‏).
‏كما أن تعبير الرؤى لا يقوم على الفراسة فحسب بل يقوم عليها ، وعلى غيرها من الإلهام ، ومن البراعة في علم التعبير القائم على معرفة القران والسنة ومعرفة أصول هذا الفن من التأويل بالمعنى أو باشتقاق الأسماء ومثال هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله علية وسلم : ” رأيت ذات ليلة فيما يرى النأئم كأنا في دارعقبة بن رافع ، فأتينا برطب من رطب ابن طاب – وهو رجل من أهل المدينة ينسب له هذا النوع من الرطب الجيد – قال صلي الله علية وسلم : فأولت الرفعة لنا في الدنيا

والعاقبة لنا في الاخرة ، وأن ديننا قد طاب “(15) ، أي كمل واستقرت أحكامه. فالرسول صلي الله علية وسلم أول عقبة: بالعاقبة، ورافع : بالرفعة ، وطاب: باستقرار الدين واكتمال أحكامه.
‏أمر اخر غير ألتأويل بالأشتقاق:
‏التأويل مما ضرب به المثل ومثاله : ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر أن النبي صلي الله علية وسلم قال: “رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الراس خرجت من المدينة – حتي قامت بمهيعة وقيل: مهيعة على وزن عظيمة، وهي الجحفة – وهي أسماء أماكن في المدينة – فأولت أن وباء المدينة نقل إليها “(16) .
‏قال المهلب: هذه الرؤيا من قسم الرؤيا المعبرة وهي مما ضرب به المثل ، ووجه التمثيل أنه اشتق من اسم (السوداء ) كلمتين هما: السوء ، والداء فلو ركبت الكلمتين مع بعضهما لخرج لك كلمة: سوداء ، فالرسول الكريم صلي الله علية وسلم خروجها بما جمع من اسمها ، وتأول كذلك ثوران شعرها ، أن ما يثير الشر يخرج من المدينة.
‏ولاحظ هنا أن ليس كل سواد مكروهأ في المنام إذ الرؤى كما قلت لك: يجب النظر فيها من عدة أمور ، ومنها زمن الرؤيا ، وقد كانت المدينة ذلك الوقت أرضأ موبوءة ، ولذلك ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: ” قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله “(17) ، وقد دعا الرسول الكريم صلى الله علية وسلم أن ينقل الله وباءها إلى الجحفة فقال: ” ‏اللهم حبب الينا المدينة وانقل حماها الى الجحفة ” (18) , ولذا قد يرى راء رؤيا وفيها لون السواد , فيعبر له مشتقأ من السيادة لا من السوء , وهكذا والمهم هنا تنوع التعبير وطرقه , وتنوع تعبير الرسول صلي الله علية وسلم للرؤى ورسول الله كان مع أصحابه يعبر الرؤيا ويخبرهم سبب تعبيره كالمثال السابق . . . خذ هذا المثال أيضا: عن أبي موسى عن النبي صلي الله علية وسلم قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها أيضا بقرا والله خير فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر ” ‏. هذا نص مسلم (19).
‏فالملاحظ هنا أن الرسول صلي الله علية وسلم يخبر الصحابة بالرؤيا وتعبيره لها وهذا من التعليم منه , ومنها أيضأ ما أخرجه أحمد في مسنده بسنده عن أنس أن رسول الله صلي الله علية وسلم قال:” رأيت فيما يرى النأئم كأني مردف كبشأ وكآن ظبة سيفي انكسرت , فأولت اني أقتل صاحب الكتيبة , وان رجلا من أهل بيتي يقتل ” (20) .
‏فقتل رسول الله صلي الله علية وسلم طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين , وقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
‏قال النووي في شرح صحيح مسلم تعليقا على حديث ابن عباس: أن رسول الله كان مما يقول لأصحابه: ” من راى منكم رؤيا فليقصها أعبرها لة . . . ” الخ (21) ,
قال القاضي : معنى هذه اللفظة عندهم كثيرا ما كان يفعل كذا ، وكأنه قال : من شأنه . وفي الحديث الحث على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها ، قال العلماء : وسؤالهم محمول على أنه صلى الله عليه وسلم يعلمهم تأويلها وفضيلتها واشتمالها على ما شاء الله تعالى من الإخبار بالغيب وقد جاء في الحديث الصحيح عند البخاري قال صلي الله علية وسلم : بينما أني نائم أتيت بقدح لبن فشربت منة حتي اني لأرى الري . . . ” (22) الحديث وقد سبق ذكرة وقد أول الرسول صلي الله علية وسلم اللبن بالعلم , ويهمنا هنا ونحن نتحدث عن مشروعية تعليم الرؤيا والسؤال عنها ما جاء من رواية أبي بكر بن سالم أنة صلي الله علية وسلم قال لهم : ” اولوها ” , قالوا يا رسول الله هذا علم أعطاكه الله , فملأك منة , ففضلت فضلة فأعطيتها عمر , قال : ” أصبتم ” , وهنا انتقل صلي الله علية وسلم من اخبار الصحابة بتعير الرؤي الي سؤالهم عنها . فهو صلي الله علية وسلم كما يقول ابن حجر في الفتح : كان يجيد تعبير الرؤيا وكان لة مشارك في ذلك منهم لأن الاكثار من هذا القول لا يصدر الي ممن تدرب فية ووثق باصابتة .

وقال اثناء تعليقه على الحديث: في الحديث مشروعية إلقاء العالم المسا ئل واختبار اصحابه في تأويلها.
‏وقال في موضع اخر: فضيلة تعبير الرؤيا , لما تشتمل عليه من الاطلاع على بعض الغيب وأسرار الكائنات(23).
‏كذلك يحتاج المعبر الى الإلمام بالأمثال في القران ومعانيه , واعتبار الاشعار والأمثال واشتقاق اللغة ومعانيها وأن يكون عالما بما يجري على ألسنة الناس , ويحتاج المعبر كذلك الى معرفة الكثير عن حال الرائي , فلا عيب آن يسأله عن عمله أو وظيفته , وعمره , وحالته الاجتماعية وكل ما يراه ضروريا مما يستدل به على علم مسألته أو رؤياه , والمعبر هنا كالطبيب لو حجب عنه المريض معلومات عن حالته المرضية فقد يخطئ في التشخيص

وقد يصف له دواء خاطئأ ، ويجب عدم الا ستعجال من السائل والمسؤول ، وقد نقل عن ابن سيرين رحمه الله أنة كان اذا وردت الية مسالة رؤيا مكث فيها مليأ من النهار يسأل صاحبها عن نفسه وصناعته وعن قومه ، وهذا بالطبع قد يحصل للمعبر المتمكن وليس عيبا أن يتروي مثل هذا الوقت ، ولا شك أن أكثر ما روي عن ابن سيرين ليس فيه أن يحتاج لوقت طويل حال تعبيره وتأمله ، لكن ذكرته لأن وجود هذا منه على ندرته ومع براعته فى التعبير دليل على أهمية التروى ، والتروى مفيد للتثبت من عبارات الراوى والتعرف على حالته من حيث الصلاح والصدق والعدالة ووقت الرؤيا . . وغير ذلك
‏من الأمور التي قد يحتاجها المعبر، كما يجب عدم الضجر أو الغضب من أسئله المعبر – خاصة – عند عدم معرفه بحال السائل كما يقع كثيرا في هذا العصر نتيجة الاتصالات الهاتفيه من اشخاص – ذكورا أو إناثأ – لا يعرفهم المعبر، فقد يحتاج للسؤال عنهم أسئله قد يرفضها البعض من السائلين ويفسرها بالتدخل فى خصوصياته. كذلك السؤال عن الدين مهم للمعبر، ويجب على المسؤول الصدق في الجواب فصلاح الانسان أو فسقة ، ذو
‏علاقة قوية برؤياه ، فأ ل هذا الفن مثلا قالوا : ان أكل العسل للمسلم تأويله حلاوه القران والذكر فى قلبه ، وهو للكافر حلاوة الدنيا وغنيمتها ، فالرؤى تتغاير على حسب الديانة والمذاهب والبلدان ويجب -عند نقل الرؤيا – أتقان
‏نقلها للمعبر، واخباره عن صاحبها ذكرا أو انثى ، حالته الاجتماعية عمره. . . الخ ، وكل ما يراه المعبر ضروريأ لتعبير الرؤيا المنقولة وقد ذكر ابن حجر فائدة على قول الرسول صلى الله علية وسلم : ” من رؤيا فليقصها أعبرها له “(24) قال القرطبي: ” ‏فليقصها ” ليذكر قصتها ويتبع جزئياتها حتى لا يترك منها شيئا من قصصت الأثر اذا اتبعته. وقد سأل الرسول صلي الله علية وسلم واستفسر وهو رسول الله , جاء فى الحديث: أن رجلا اسمه مطيع بن الاسود رأي في منامه أنه أهدى اليه جراب من تمر, فذكر ذلك للنبي صلي الله علية وسلم فقال: ” هل بأحد من فتياتك حمل ؟ ” قال: نعم ، بامرأة من بنى .ليث. . وهى أم عبد الله ،

قال صلي الله علية وسلم : ” انها ستلد غلاما ” , فولدت غلاما , فأتي به النبي صلي الله علية وسلم فسماه عبد الله وحنكة بتمرة ودعا له بالبركة. .وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (25) وعزاه الى الطبراني ولم يخرج في واحد من الكتب التسعة.
‏ 77