حلم و تأويل رؤيا النوع الثاني: ما يكون من حديث النفس
حلم و تأويل رؤيا النوع الثاني: ما يكون من حديث النفس
ما يكون من حديث النفس , وأعمال اليقظة , وقد يساعد عليها
الانشغال النفسي، والإرهاق البدني , والإجهاد الفكري.
ومثال هذا كثير وقوعه بخاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه الشواغل وطغت فيه المادة أحيانأ , وضغوط الحياة أحيانأ أخرى فنجد البعض قبل نومه يفكر بصفقاته التجارية والبعض يفكر بوظيفته الجديدة , والبعض بامتحانه في الصباح الباكر, ولا أنسى النساء اللاتي يكثر عندهن هذا النوع ايضأ فتجد بعضهن قبل نومها تفكر بمشكلتها مع زوجها مثلأ , وهكذا كل واحد من هؤلاء ينام ثم لا يلبث أن تتحول هذه الخواطر والهموم أو الامال والالام في داخل كل واحد منهم إلى منامات أو رؤى وهذا وارد جدا, ثم يتبع هذا سؤال الكثير منهم عن هذه الرؤى , والتي كما أسلفت لا تتعدى كونها أضغاث أحلام.
والاضغاث في اللغة , المفرد منه : الضغث وهو كل ما جمع وقبض عليه بجمع الكف ونحوه وفي التنزيل : ” وخذ بيدك ضغثا فأضرب بة ولا تحنث ” ويقال: أتانا بأضغاث من اخبار, أي بضروب مختلطة منها.
وأضغاث الأحلام : ما كان منها ملتبسا مضطربأ يصعب تأويله , وسميت أضغاثا لاختلاطها فشبهت بأضغاث النبات وهي : الحزمة مما يأخذ الانسان من الأرض فيها الصغير والكبير الأخضر واليابس وهكذا (1).
ويمكن من خلال العرض السابق أن تلاحظ أن هذه الأضغاث ليست منضبطة بل هي مختلطة ملتبسة , وهذه كما يرى بعض العلماء تأتي للرائي بأحد سببين (بدني) أو (نفسي) فاما أن يكون المرء في وضع صحي بدني منحرف, أو في مزاج نفسي مضطرب , فينعكس ذلك على الانسان ورؤاه فتختل وتضطرب وتكون أضغاثأ وتنقسم الى قسمين :
القسم الأول: اضغاث أحلام خاصة ; أي خاصة بصاحبها فقط وهذه تكثر لدى بعض الفئات في أوقات معينة كالمرضى وكالطلبة والطالبات , قبيل الامتحان أو قبيل مقابلة شخصية لدى احدى المؤسسات التربوية كالجامعات
مثلأ وكالمقبلين على الزواج والموظفين المقبلين على ترقية , وهكذا, وهولاء من خلال سؤالهم من قبل المعبر الحاذق يسهل اكتشاف نوع رؤاهم وأنها لا تعدو أضغاث الأحلام . قال سيد قطب في ظلال القران: واضغاث الأحلام هي الأخلاط من الأحلام المضطربة وليست رؤيا كاملة تحتمل التأويل , فهي لا تشير الى شيء.أ.ة بتصرف يسير,(2) ومثالها الصحابي الذي رأى رأسه مقطوعا , وكمن يرى الملائكة تأمره بفعل المحرمات. . . وغيرها من الأمثلة(3).
القسم الثاني: أضغاث أحلام عامة , وأقصد بالعامة هنا ما تكون ذات دلالة لعموم الأمة كأن يكون فيها – في ظن صاحبها – بشارة عامة , أو انذار عام أو حدث عام , كأخبار السياسة , والميزانية، والرواتب , والاجازات, والحروب لا سيما اذا كانت هذه الأحداث آو واحد منها قد طغى واستأثر بالجو العام , فتجد الرؤى تكثر عن هذا , انظر مثلآ الرؤى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وكثرتها إبان الحملة الأمريكية على أفغانستان ولاحظ قوة الاعلام المسيطر والمسير لهذه الحملة، واسأل نفسك: هل تأثيره على البشر قوي شديد أم يسير؟ لقد سيطرت هذه الأحداث على الساحة فلا صوت يعلو على صوتها فاصبح سلطانها نافذأ على العقول , فاذا ما استسلمت للنوم تحولت لرؤى قد يظن صاحبها أنها بشارة آو خبر مفرح , خاص به أو عام للأمة , ولا يخفي اليوم على كل ذي لب غلبة الهوى والجهل والتعصب لراي أوفئة وقلة الورع والدين والتقوى في الكثير من الناس , ثم ان مثل من يرى هذه الرؤى يبحث عمن يعبرها له , وقد يستبق الحدث فيرسلها قبل السؤال عنها ببريده الأ لكتروني أو بجواله , فتصبح حديث الساعة , وفاكهة المجالس بوقت وجيز!
وأنا هنا لست ضد فئة أو جماعة بعينها، ولكني ضد الجهل، نعم الجهل الذي قد يسير جماعة أو طائفة أو حتئ فردأ بدعوى الرؤى, وفتنة الحرم وما بث من بعض المقابلات والاعترافات لبعض المتورطين بها , يؤيد ما ذكرته وأنهم كانوا تحت سلطان الأوهام والاحلام , وهذا ينطبق على بعض الصوفية الذين ما فتؤا يستدلون برؤى جاءهم فيها رسول الله وأمرهم فيها ونهاهم أو استحسن عملأ لهم , وهكذا جعلوها في درجة الوحي الذي فقده الصحابة بموت رسول الله , ووجده هؤلاء, قال ابن حجر في(4) : النائم لو رأى النبي صلي الله علية وسلم يأمره بشيء, هل يجب عليه امتثاله ولا بد: أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر , فالثاني هو المعتمد. وشتان بين الثري والثريا, نعم. الرؤى منها ما يكون مبشرات لفرد أو جماعة , أو حتى أمة , ولكن هذا مشروط بشرطين :
الأول: وجود مرجع موثوق تعرض عليه هذه الرؤئ كما عرض
مجموعة من الصحابة رؤاهم حول ليلة القدر على رسول الله , فقال :”أرى رؤياكم تواطأت في السبع الأواخر, فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ” , متفق عليه(5 ), وقد عنون البخاري في صحيحه ( باب: التواطؤ على الرؤيا ) , وقال الحافظ ابن حجر تعليقا على الحديث السابق: ويستفاد من الحديث أن توافق جماعة على رؤيا واحدة دال على صدقها وصحتها , كما تستفاد قوة الخبر من التوارد على الآخبار من جماعة ا.ة . (6)
والثاني : هو عدالة الرائي وصدقه وعدم كونه ذا هوي , أو ذا هدف , أو متهور, عاش قضية أو اقتنع بفكرة , فسيطرت على تفكيره , فتمثلت له رؤي في منامه , وهنا أفرق بين الرؤى قبل الحدث , والرؤى حاله أو بعده , ولا يخفى أنها في حال الحدث أو بعده أو أوهي وأضعف منها قبله ء كما لا يخفى على كل مهتم بهذا الفن , فلا عبرة برؤيا ذي هوى , كما لا عبرة بتعبير زي هوي كذلك , فأين المرجع الذي يقر الرؤى كرسول الله ؟ وآين من
يماثل صحبه الكرام الأطهار؟