حلم و تأويل رؤيا تعريف الرؤي من حيث الأصطلاح

حلم و تأويل رؤيا تعريف الرؤي من حيث الأصطلاح

تعريف الرؤي من حيث الأصطلاح

** أولأ: تعريف الرؤى عند العلماء المسلمين:

‏انطلق العلماء المسلمون في تعريف الرؤيا من النصوص الشرعية خاصة تلك التي فق قت بين الرؤيا وغيرها مما يراه الإنسان في منامه ء ومن هذه النصوص التي انطلق العلماء في تعريفاتهم من خلالها حديث أبي قتادة
المتفق عليه: (الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان ) (1) ومذهب اهل ‏السنة في ذلك أن الرؤيا: مجموعة من الاعتقادات والإدرا كات التي يلقيها الله في قلب العبد على يد ملك أو شيطان . إما بأسمائها أي حقيقتها . واما بكناها واما تخليطأ. وقال ابن العربي: وهذا يشبه في حال اليقظة الخواطر الواردة على فكر الإنسان وقلبه ء فإنها )تي على نسق. أي على نظام واحد . وقد تأتي على خلاف ذلك مسترسلة غير محصلة.
‏وعرفها الأمام المازري فقال: مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا .أن الله تعالى يخلق في قلب النأئم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة ، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علمأ على أمور اخر يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها.

وعرفت بأنها : اعتقادات يخلقها الله في قلب النائم ء كما يخلقها في قلب اليقظان فاذا خلقها فكأنه جعلها علمأ على أمورأخرى فيخلقها في ثاني الحال وتلك الاعتقادات تارة تقع بحضرة الملك فيقع بعدها ما يسر. وتارة تقع بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يضر.(2)

‏والحقيقة آن المتأمل في التعريفات يلحظ أنها متشابهة إلى حد كبير كما يلحظ الاشارة إلى التفريق بين نوعين من أنواع ما يرى الانسان في منامه . وهو ما سأتحدث عنه في الفقرة القادمة . كما يلحظ آن الحديت آشار ‏بقوله: ( الرؤيا الصادقة من الله , والحلم من الشيطان ) ‏الى آن الله يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علمأ على ما يسر بغير حضرة الشيطان . ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فينسب الى الشيطان مجازأ لحضوره عندها وان كان لا فعل له حقيقة . وهذا معنى قوله(صلي الله علية وسلم ) (( الرؤيا من الله ‏والحلم من الشيطان )) ‏لا على آن الشيطان يفعل شيئآ.

‏وقال بعض العلماء: ان الشيطان له فعل وتآثير مباشر بدليل حديث جابر رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلي الله علية وسلم فقال :(( رأيت كأن عنقي ضربت، قال: ( لم يحدث أحدكم بتلعب الشيطان؟ ‏) أخرجه مسلم والإمام أحمد، وهذا اللفظ للامام أحمد.

‏وفي لفظ عند الامام مسلم: قال يا رسول الله: رايت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره.فقال رسول الله للاعرابي : ( لا تحدث النأس بتلعب الشيطان بك في منامك) وقال جابر: سمعت النبي صلي الله علية وسلم بعد يخطب فقال: هلا يحدثن احدكم بتلعب الشيطان به في منامه.(3)

‏قال الامام محمد السفاريني رحمه الله :

‏المراد بتلعب الشيطان أنه يري في منامه ما يحزنه . ويدخل عليه الهم والغيظ ويخلط عليه في رؤياه . فهو يتلاعب به 0 ‏يقال لكل من عمل عملا لا يجدي عليه نفعأ: انما آنت لاعب . قال وفي حديث الاستنجاء قال صلي الله علية وسلم ( ان الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم)(4) آي آنه يحضر امكنة الاستنجاء ويرصدها بالاذى والفساد؟ لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله ويكشف فيها العورات فآمر بسترها والامتناع عن التعرض لنظر الناظرين ومهاب الريح ورشاثي البول . وكل ذلك من لعب الشيطان وهذا الرأي هو الصحيح فيكون الحلم من الشيطان حقيقة . فهو الذي يصوره للانسان حقيقة لا مجازأ . وهذا من عداوته الدائمة والمعلنة للانسان . فالفعل اذا نبته للشيطان حقيقة. لا مجازأ.

‏قال سيد قطب رحمه الله:

‏وقبل كل شيء. نقرر أن معرفة طبيعتها او عدم معرفته لا علاقة له باثبات وجودها وصدق بعضها. . . الى أن قال. . . ونحن نتصور طبيعة هذه الرؤى على هذا النحو ان حواجز الزمان والمكان هي التي تحول بين هذا المخلوق البشري وبين رؤية ما نسميه الماضي والمستقبل . او الحاضر المحجوب . وان ما نسميه ماضيا او مستقبلا انما يحجبه عنا عامل الزمان . كما يحجب الحاضر البعيد منا عامل المكان . وأن حاسة ما في الانسان لا نعرف كنهها تستيقظ او تقوى فتتغلب على حاجز الزمان وترى ما وراءه في صورة مبهمة . ليست علما ولكنها استشفاف . الخ كلامه. ثم قال: واستطيع ان آكذب كل شيء قبل ان اكذب حادثأ وقع لي وانا في امريكا وأهلي في القاهرة . وقد رايت فيما يرى النائم ابن اخت لي شابأ وفي عينه دم يحجبها عن الرؤية. فكتبت الى أهلي أستفسر عن عينه بالذات . فجاءني الرد بآن عينه أصيبت بنزيف داخلي وانه يعالج. ويلاحظ أن النزيف الداخلي لا يري من الخارج . فقد كان منظر عينة لمن يراها بالعين المجردة منظرا عاديا ولكنها كانت محجوبة عن الأبصار بالنزف الداخلي في قاعها،
اما الرؤيا فقد كشفت عن هذا الدم المحجوب في الداخل(5)

** ثانيا ً:تعريف الرؤي عند العلماء غير المسلمين :

بالنسبة للعلماء غير المسلمين فلهم أقاويل كثيرة منكرة في هذا الموضوع، وسبب ذلك أنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل الذي يحتكمون إليه في هذا الجانب وجوانب أخرى كثيرة . كما أنهم لا يؤمنون ولا يصدقون بالوحي ولا السمع ولذلك اضطربت أقوالهم. فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤيا الى الأخلاط الأربعة وهي البلغم والصفراء والدم والسوداء ، مثلا : يقولون من يغلب عليه البلغم يرى أنه يسبح في الماء ، لمناسبة الماء لطبيعة البلغم ، ومن تغلب عليه الصفراء يرى النيران ، وهذا لم يقم عليه دليل ولا جرت عليه عادة ، وما قالوه نوع من أنواع الرؤيا وليست الرؤيا محصورة فيه , فإنا نعلم أن منها ما يكون من النفس , ومنها ما يكون من الشيطان ومنها ما يكون من الرحمن.
‏والفلاسفة يزعمون ان صور ما يجري في الأرض هي في العالم العلوي كالنقوش فما حاذى بعضا منها انتقش في قلب النأئم , وهذه نظرية أفلاطون المعروفة بنظرية المثل العليا وهذا الرأي اشد فسادأ من سابقه , لأن الانتقاش من صفات الأجسام وما يجري في العالم العلوي أعراض , والأعراض لا ينتقش فيها.
‏وقد حاول بعض العلماء غير المسلمين محاولة كشف سر الاحلام والوصول من خلالها إلى الحكم على النفس البشرية ودوافعها وميولها واتجاهاتها بل وعقدها.
‏وقد نشر العالم سيجموند فرويد مؤلفه المسمى ( تحليل الاحلام ) عام 1899 ‏م , ويرى أنه لما كان (الأنا) في حال اليقظة هو الذي يسيطر على قوة الحركة فإن هذه الوظيفة تتعطل أثناء النوم , ومن ثم يتلاشى جزء كبير من الرقابة التي تفرض على ال(هو) أو اللاشعور
قال : وسحب الشحنات النفسية التي تقوم بوظيفة الرقابة أو إضعافها
‏يسمح بشيء من الحرية التي تبدو الآن . يقصد حال الحلم • غير ضارة .
‏وقد استخدم ‘فرويد’ تحليل الأحلام كوسيلة للوصول الى اعماق اللاشعور والكشفه عن اسراره . ويعتبر فرويد آن الأحلام بمثابة “الطريق السلطاني” (إلى اللاشعور الذي يحتوي على العقد والدوافع والرغبات المكبوتة .
‏واهتمت العالمة ” كارين هورني ” بتحليل الاحلام . وهي ترى أن الأحلام تزيد البصيرة حول الحالة وتكشف عن بعض اتجاهات المريض نحو
‏العالم .
‏ويعتقد ” اإيرك فروم ” أن الأحلام تعكس العناصر المعقولة والعناصر غير
‏المعقولة من الشخصية في نفس الوقت (6) .
‏والملاحظ من هذا العرض الموجز لوجهة نظرهم هذه ما يلي :
‏_ تركيزهم على استخدام الأحلام كوسيلة للدخول إلى عالم المريض ومعرفة سبب مرضه, أو حالته .
‏. أنهم يركزون فقط على ما يسمى بأضغاث الأحلام , وهي التي يفكر بها الإنسان قبل نومه ثم يرأها بعد نومه , أو يركزون على شيء لا علاقة له بالأحلام
‏وانما هو ما يعملونه مع المرضى في العيادات النفسية بعد جعله يسترخي في العيادة ويترك يتكلم عن نفسه وعن عمله وزوجته والمحيطين به , ويقوم الطبيب برصد هذا الكلام , والدخول من خلاله إلى شخصية هذا المريض , وهذا يختلف تمامأ عن الرؤى التي يرأها الإنسان في منامه بواسطة ملك الرؤيا .
‏يقول سيد قطب :
‏تقول مدرسة التحليل النفسي عن طبيعة الرؤيا : إنها صور من الرغبات المكبوتة تتنفس بها الأحلام في غياب الوعي وهذا يمثل جانبأ من الأحلام .
‏ولكنه لا يمثلها كلها .
وفرويد ذاته . على كل تحكمه غير العلمي وتمحله في نظريته يقرر أن هناك أحلامأ تنبؤية . (7)
يقول محمد علي قطب مؤيدا سيد قطب :
‏لقد اعتمد “أفرويد” في أكثر تحليلاته واستنتاجاته على الرؤئ ثم قعد من خلالها القواعد والاسس التي بنى عليها نظرياته في علم النفس , ولكنه • للأسف – كان يتجه في الرموز والمعاني اتجاهأ ماديأ، أو حيوانيأ هابطأ، فلا ينصف الإنسان في إنسانيته , والرؤيا – ولا شك – جزئية في حياة الإنسان اليومية , ولكنها في إطار من الغيبية عن دنيا الواقح والمعايشة الحياتية والممارسة الحسية , رؤيا ليست بالبصر ولكن بالبصيرة , وحركة ليست بالجوارح والأعضاء ولكن بالحس الشعوري فقط. (8)

‏ولعل خير من وضح لنا سبب هذا القصور لدى علماء النفس في فهم الرؤى واعطائها حقها الإمام القرطبي قال: سبب تخليط غير الشرعيين إعراضهم عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم وكفى بهذا ردأ(9).